كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأجابوا عن رواية النسائي التي أشرنا إليها التي قال فيها: أخبرنا محمد بن قدامة، قال: حدثني جرير، عن مُطّرف، عن الشعبي، عن عروة بن مضرس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك جمعًا مع الإمام والناس حت يُفِيضَ منا فقد أدرك، ومن لم يدرك مع الناس والإمام فلم يدرك». اهـ. بأن هذه الزيادة في هذه الرواية، لم تثبت.
قال ابن حجر في فتح الباري في بيان تضعيف الزيادة المذكورة: وقد صنَّف أبو جعفر العقيلي جزءًا في إنكار هذه الزيادة، وبين أنها من رواية مطرف عن الشعبي، عن عروة، وأن مطرفًا كان يهم في المتون، قال: وقد ارتكب ابن حزم الشطط فزعم: أن من لم يصل صلاة الصبح بمزدلفة مع الإمام: أن الحج يفوته، ولم يعتبر ابن قدامة مخالفته هذه، فحكى الإجماع على الإجزاء كما حكاه الطحاوي. انتهى كلام ابن حجر مع حذف يسير.
وأجابوا عن الرواية المذكورة عند أبي يعلى، وغيره: بأنها ضعيفة.
قال النووي في شرح المهذب في كلامه على قول القائلين: بأنه ركن، واحتج لهم بالحديث المروي، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من فاته المبيت بمزدلفة فقد فاته الحج» ثم قال: وأما الحديث فالجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أنه ليس بثابت ولا معروف.
والثاني: أنه لو صح لحمل على فوات كمال الحج لا فوات أصله. انتهى منه.
وما ذكرنا عن ابن حجر من تضعيف الزيادة المذكورة يعني به ما عند النسائي، وأبي يعلى منها في حيث عروة المذكور.
ومن أدلتهم على أن المبيت بمزدلفة ركن: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم كذلك فعل، وقال: «لتأخذوا عني مناسككم» وأجاب الجمهور عن هذا: بأنهم لم يخالفوا في أنه نسك، ينبغي أن يؤخذ عنه صلى الله عليه وسلم، ولَكِن صحة الحج بدونه علمت بدليل آخر: وهو حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي المذكور سابقًا، الدال على عدم اشتراط المبيت بمزدلفة، كما أوضحنا وجه دلالته على ذلك، والعلم عند الله تعالى.
وأما حجة من قال: إن المبيت بمزدلفة: سنة، وليس بركن، ولا واجب هي: أنه مبيت، فكان سنة كالمبيت بمنى ليلة عرفة. أعني: الليلة التاسعة، التي صبيحتها يوم عرفة، هذا هو حاصل أقوال أهل العلم، وأدلتهم في المبيت بمزدلفة.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: قد قدمنا أن الاستدلال بحديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه، على عدم ركنيه المبيت بمزدلفة صحيح، وأن دلالته على ذلك دلالة إشارة كما هو معروف في الأصول، ولا شك أنه ينبغي للحاج أن يحرص على أن يفعل كفعل النَّبي صلى الله عليه وسلم فيبيت بمزدلفة كما قدمنا إيضاحه، والعلم عند الله تعالى.
فروع تتعلق بهذه المسألة:
الفرع الأول: قد قدمنا أن المزدلفة كلها موقف، فحيث وقف منها أجزاه، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء، وقد قدمناه من حديث جابر عند مسلم.
الفرع الثاني: اعلم أنه ينبغي التعجيل بصلاة الصبح يوم النحر بمزدلفة في أول وقتها، كما فعل صلى الله عليه وسلم.
واعلم أن ما رواه البخاري، ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلى صلاة إلا بميقاتها إلا صلاتين: صلاة المغرب والعشاء بجمع، وصلى الفجر يومئد قبل ميقاتها. ليس المراد به أنه صلى الصبح قبل طلوع الفجر، لأن ذلك ممنوع إجماعًا، ولَكِن مراده به أنه صلاها قبل ميقاتها المعتاد الذي كان يصليها فيه، ولَكِن بعد تحقق طلوع الفجر.
ومما يدلعلى هذا ما رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود نفسه رضي الله عنه حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول: «حج عبد الله رضي الله عنه، فأتينا المزدلفة...» الحديث وفيه: «فلما طلع الفجر قال: إن النَّبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان من هذا اليوم. قال عبد الله: هما صلاتان يُحَوَّلان عن وَقتِهِما، صلاة المغرب بعد ما يأتي الناس المزدلفة، والفجر حين يبزُغ الفجر، قال رأيت النَّبي صلى الله عليه وسلم يفعله» انتهى من صحيح البخاري.
فقول ابن مسعود في هذا الحديث الصحيح: فلما طلع الفجر وقوله: والفجر حين يبزغ الفجر وإتباعه ذلك بقوله رأيت النَّبي صلى الله عليه وسلم يفعله، صريح فيما ذكرنا من أن مراده بقوله: قبل ميقاتها يعني به: وقتها الذي يصليها فيه عادة، وليس مراده أنه صلاها قبل طلوع الفجر كما ترى.
الفرع الثالث: اعلم أن العلماء اختلفوا في القدر الذي يكفي في النزول بالمزدلفة، فذهب مالك، وأصحابه، إلى أن النزول بمزدلفة بقدر ما يصلي المغرب والعشاء، ويتعشى يكفيه في نزول مزدلفة ولو أفاض منها قبل نصف الليل، وبعضهم يقول: لابد في ذلك من حط الرحال، وذهب الشافعي وأحمد إلى أنه إن دفع منها بعد نصف الليل أجزاه، وإن دفع منها قبل نصف الليل لزمه دم. وذهب أبو حنيفة إلى أنه إن دفع منها قبل الفجر لزمه دم، لأن وقت الوقوف عنده بعد صلاة الصبح، ومن حضر المزدلفة في ذلك الوقت فقد أتى بالوقوف، ومن تركه ودفع ليلًا فعليه دم إلا إن كان لعذر.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الأظهر عندي في هذه المسألة: هو أنه ينبغي أن يبيت إلى الصبح، لأنه لا دليل مقنعًا يجب الرجوع إليه مع من حدد بالنصف الأخير، ولا مع من اكتفى بالنزول، وقياسهم الأقوياء على الضعفاء قائلين: إنه لو كان الدفع بعد النصف ممنوعًان لما رخص فيه صلى الله عليه وسلم لضعفه أهله، لأنه لا يرخص لأحد في حرام، قياس مع وجود الفارق، ولا يخفى ما في قياس القوي على الضعيف الذي رخص له لأجل ضعفه كما ترى، ولا خلاف بين العلماء أن السنة أنه يبقى بجمع حتى يطلع الفجر كما تقدم ومن المعلوم أن جمعًا والمزدلفة والمشعر الحرام، أسماء مترادفة، يراد بها شيء واحد خلافًا لمن خصص المشعر الحرام بقزح دون باقي المزدلفة.
الفرع الرابع: اعلم أنه لا بأس بتقديم الضعفة إلى منى قبل طلوع الفجر. قال ابن قدامة في المغني: ولا نعلم فيه مخالفًا. اهـ. ومن المعلوم أن ذلك ثابت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: باب من قَدَّم ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون، ويقدم إذا غاب القمر: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب قال سالم: وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يُقَدِّم ضَعَفَةَ أَهْلِهِ، فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل فيذكرون الله عز وجل، ما بدا لهم، ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام، وقيل أن يدفع، فمنهم من يقدم لصلاة الفجر، ومنهم من يَقْدمُ بعد ذلك، فإن قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: أرْخَصَ في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جمع بليل.
حدثنا عَليٌّ، حدثنا سفيان قال: أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: أنا ممن قدم النَّبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله. حدثنا مسدد عن يحيى عن ابن جريج، قال: حدثني عبد الله مولى أسماء، عن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة، فقامت تُصَلِّي، فصلت ساعة، ثم قالت: يا بُنَيَّ هل غاب القمر؟ قلت: لا فصلت ساعة ثم قالت: هل غاب القمر؟ قلت: نعم قالت: فارتحلوا، فارتحلنا، ومضينا حتى رَمَتِ الجمرةَ ثمّ رجعت، فصلت الصبح في منزلها، فقلت لها: يا هنتَاهْ: ما أُرَانا إلاَّ قد غلسنا، قالت: يا بُنَيَّ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِلظُّعُنِ.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان، حدثنا عبد الرحمن هو ابن القاسم عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذنت سَوْدَى النَّبي صلى الله عليه وسلم ليلة جَمْعٍ، وكانت ثقيلة ثبطة، فأَذن لها.
حدثنا أبو نعيم، حدثنا أَفْلَحُ بن حميد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: نزلنا المزدلفة، فاستأذنت النَّبي صلى الله عليه وسلم سودة أن تدفع قبل حطمة الناس، وكانت امرأة بطيئة، فأَذن لها فدَفَعَتْ قبل حَطْمَة الناس، وأقمنا حتى أصبحنا نحن. ثم دفعنا بِدَفْعِهِ فَلأن أكون استَأْذَنْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنت سَوْدَةُ أحب إلى من مفروح به انتهى من صحيح البخاري.
وهذه الأحاديث التي رواها البخاري عن ابن عمر، وابن عباس، وأسماء وعائشة رضي الله عنهم رواها كلها مسلم في صحيحه أيضًا، مع بعض اختلاف في الألفاظ والمعنى واحد.
وروى مسلم في صحيحه: عن أم حبيبة رضي الله عنها: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم بعث بها من جمع بليل، وفي لفظ لها عند مسلم: كنا نفعله على عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم نغلس من جميع إلى منى، وفي رواية الناقد: نغلس من مزدلفة.ا هـ. وهذه النصوص الصحيحة تدل على جواز تقديم الضعفة والنساء من المزدلفة ليلًا كما ترى.
الفرع الخامس: اعلم أن العلماء اختلفوا في الوقت الذي يجوز فيه رمي جمرة العقبة من الضعفة وغيرهم، مع إجماعهم على أن من رماها بعد طلوع الشمس أجزأه ذلك، فذهبت جماعة من أهل العلم، إلى أن أول الوقت الذي يجزئ فيه رمي جمرة العقبة هو ابتداء النصف الأخير من ليلة النحر، وممن قال بهذا: الشافعي، وأحمد، وعطاء، وابن أبي ليلى، وعكرمة بن خالد كما نقله عنهم ابن قدامة في المغني، قوال النووي في شرح المهذب: وبه قال عطاء، وأحمد، وهو مذهب أسماء بنت أبي بكر، وابن أبي مليكة وعكرمة بن خالد، وذهب جماعة من أهل العلم: إلى أن أول وقته يبتدئ من بعد طلوع الشمس، وهو مذهب مالك، وأبي حنيفة، وذهب بعض أهل العلم إلى أن أول وقته للضعفة من طلوع الفجر ولغيرهم من بعد طلوع الشمس، وهو اختيار ابن القيم، وإذا علمت أقوال أهل العلم في المسألة، فهذه تفاصيل أدلتهم.
أما الذين قالوا: إن رمي جمرة العقبة يجوز في النصف الأخير من ليلة النحر فقد استدلوا بما رواه أبو داود في سننه: حدثنا هارون بن عبد الله ثنا ابن أبي فُدْيك، عن الضحاك يعني ابن عثمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: «أرسل النَّبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت، فأفاضت وكان ذلك اليوم اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني عندها» انتهى منه.
قال النووي في شرح المهذب: في هذا الحديث وأما حديث عائشة في إرسال أم سلمة فصحيح. رواه أبو داود بلفظه بإسناد صحيح على شرط مسلم وقال الزيلعي في نصب الراية، بعد أن ساق حديث أبي داود: هذا عن عائشة ورواه البيهقي في سننه وقال: إسناده صحيح لا غبار عليه وما ذكره الزيلعي من أنه قال: إسناده صحيح لا غبار عليه لم أره في سننه الكبرى، وقد ذكر الحديث فيها بدون التصحيح المذكور.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: ما ذكره النووي من كون إسناد أبي داود المذكور صحيحًا، على شرط مسلم صحيح، لأن طبقته الأولى هارون الحمال وهو ثقة من رجال مسلم، وطبقته الثانية محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك، وهو صدوق. أخرج له الشيخان وغيرهما وطبقته الثالثة الضحاك بن عثمان الحزامي الكبير، وهو صدوق يهم، وهو من رجال مسلم، وباقي الإسناد هشام عن عروة بن الزبير عن عائشة وصحته ظاهرة، فالاحتجاج بهذا الإسناد ظاهر، لأن جميع رجاله من رجال مسلم، وبعض رجاله أخرج له الجميع فظاهره الصحة مع أن بعض أهل العلم ضعفه قائلًا: إنه مضطرب متنًا وسندًا، وممن ذكر أنه ضعفه الإمام أحمد وغيره، ولا يخفى أن رواية أبي داود المذكورة ظاهرها الصحة.
وتعتضد بما رواه الخلال: أنبأنا علي بن حرب، حدثنا هارون بن عمران، عن سليمان بن أبي داود، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: أخبرتني أم سلمة قالت: «قَدَّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن قدَّم من أهله ليلة المزدلفة، قالت: فرميتُ بليل، ثم مضيت إلى مكة، فصليت بها الصبح، ثم رجعت إلى منى انتهى منه بواسطة نقل ابن القيم في زاد المعاد ولا شك أن هذه الرواية عن أم سلمة تقوي الرواية الأولى عن عائشة». ولما ساق ابن القيم هذه الرواية التي ذكرها الخلال قال: قلت: سليمان بن أبي داود هذا، هو الدمشقي الخولاني ويقال: ابن داود قال أبو زرعة: عن أحمد رجل من أهل الجزيرة ليس بشيء، وقال عثمان بن سعيد: ضعيف.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: رواية سليمان بن داود المذكورة، لا تقل عن أن تعضد الرواية المذكورة قبلها، وسليمان المذكور وثقه، وأثنى عليه غير واحد، قال فيه ابن حيان: سليمان بن داود الخولادني من أهل دمشق ثقة مأمون، وقال البيهقي: وقد أثنى على سليمان بن داود أبو زرعة، وأبو حاتم وعثمان بن سعيد، وجماعة من الحفاظ انتهى بواسطة نقل ابن حجر في تهذيب التهذيب.
وقال ابن حجر فيه أيضًا: قلت: أما سليمان بن داود الخولاني، فلا ريب في أنه صدوق، وقال فيه في التقريب: سليمان بن داود الخولاني أبو داود الدمشقي: سكن داريا صدوق من السابعة، وبذلك كله يعلم أن روايته لا تقل عن أن تكون عاضدًا لغيرها.
هذا هو حاصل حجة من أجاز رمي الجمرة قبل الصبح.
وأما حجة من قال: لا يجوز رميها، إلا بعد طلوع الشمس، فمنها أن النَّبي صلى الله عليه وسلم رماها وقت الضحى. وقال: «خذوا عني مناسككم».
ومنها ما رواه أصحاب السنن وغيرهم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم: بعث بضعفة أهله، فأمرهم أن لا يرموا الجمرة، حتى تطلع الشمس».
وفي لفظ عن ابن عباس، قال: «قَدَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات فجعل يلطح أفخاذنا ويقول: أي بني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس» قال أبو داود: اللطح الضرب اللين، وهذا الحديث صحيح، وقال الترمذي رحمه الله في هذا الحديث: قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح، والعلم على هذا الحديث عند أهل العلم، وقال النووي في شرح المهذب في حديث ابن عباس المذكور، أما حديث ابن عباس، فصحيح رواه أبو داود والترمذي، والنسائي، وغيرهم بأسانيد صحيحة، قال الترمذي: حديث حسن صحيح انتى كلام النووي.
وقال ابن القيم في زاد المعاد في حديث ابن عباس المذكور: حديث صحيح صححه الترمذي وغيره.
وأما حجة من قال: بجوار رمي جمرة العقبة للضعفة بعد الصبح قبل طلوع الشمس دون غيرهم، وأن غيرهم لا يجوز له رميها إلا بعد طلوع الشمس، فمنها حديث أسماء المتفق عليه الذي قدمناه.
قال فيه: قالت: يا بُنَيَّ: هل غاب القمر؟ قلت: نعم، قالت: فارتحلوا، فارتحلنا، ومضينا، حتى رمت الجمرة، ثم رجعت، فصلت الصبح في منزلها فقلت لها: يا هنتاه: ما أرانا إلا قد غلسنا قالت: يا بني: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن» اهـ. فهذا الحديث المتفق عليه صريح أن أسماء رمت الجمرة قبل طلوع الشمس، بل بغلس، وهو بقية الظلام، ومنه قول الأخطل.
كذبتك عينك أم رأيت بواسط ** غلس الظلام من الرباب خيالا

وصرحت بأنه صلى الله عليه وسلم: أذن في ذلك للظعن، ومفهومه أنه لم يأذن للأقوياء الذكور كما ترى.
ومنها حديث ابن عمر المتفق عليه الذي قدمناه أيضًا، فإن فيه: أنه كان يقدك ضعفة أهله، وأن منهم من يقدم مِنًى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحديث ابن عمر هذا المتفق عليه، يدل دلالة واضحة، على الترخيص للضعفة في رمي جمرة العقبة بعد الصبح، قبل طلوع الشمس كما ترى، ومفهومه أنه لم يرخص لغيرهم في ذلك.